Thursday, October 12, 2017

العلم والعلموية في الإسلام

للدكتور: إبراهيم الرماح

لتحميل نسخة PDF من الملخص: https://goo.gl/cZLymn

المحتويات:

أهمية الموضوع
بعض سياقات العلم في القرآن الكريم
مكانة العلم في الإسلام
تقسيم العلوم وأنواعها
تاريخ العلوم التجريبية الغربي
العلموية
مصادر المعرفة
هل يمكن أن يتعارض الدين مع العلم التجريبي؟
مظاهر التسخير في القرآن الكريم والسنة النبوية
العلوم التجريبية طريق للتفكر في الخلق
علاقة العلوم الطبيعية بالقرآن الكريم
مراتب العلم
العبرة من العلم في الإسلام هي العمل
قيمة العلم التجريبي

 # # #


مقدمة


أهمية الموضوع:


f    مادة العلم وما تصرف منها كثيرة الورود في الكتاب العزيز

f    جاءت مادة العلم في القرآن الكريم نحو 770 موضعاً
f    وردت مادة العلم في مفاهيم أخرى، منها:

بعض سياقات العلم في القرآن الكريم:

تصميم: زهر أحمد هنـــا
f    بيان سعة العلم الإلهي وشموله لكل شيء. ومن ذلك قوله -تعالى-: (قل إنما العلم عند الله).
o      ورد اسم الله العليم في كتاب الله في نحو 160 موضعاً، قال -تعالى-: (يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، (َوكفى بِالله عَلِيمًا). (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، (إِن الله سميع عَلِيم).
o      اقترن اسم الله "العليم" باسمه "الحكيم" في عدة مواضع من القرآن الكريم، قال -تعالى-: (وَيبين الله لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، تقدم اسم الله "العليم" على اسمه "الحكيم" في 29 موضعا، والعكس في 7 مواضع، كقوله -تعالى-: (وإِنكَ لَتُلقى القرآن مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ).
f    بيان تلاشي علم الخلق في علم الله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلًا).
o      قال ابن القيم -رحمه الله-: "وتقول رسله يوم القيامة حين يسألهم: (مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ) وهذا هو الأدب المطابق للحق في نفس الأمر فإن علومهم وعلوم الخلائق تضمحل وتتلاشى في علمه سبحانه كما يضمحل ضوء السراج الضعيف في عين الشمس". شفاء العليل، جـ1، صـ187 
f    وحي الله لأنبيائه وتعليمه إيَاهم -عليهم الصلاة والسلام-، قال -تعالى-: (وعلم آدم الأسماء كلها).
f    حكايةً عن الأنبياء:
o      كما في قول نوح -عليه السلام-: (أُبلغكُمْ رِسَالَاتِ ربي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
o      حكاية عن قول إبراهيم -عليه السلام-: (يَا أَبَتِ إِنِيّ قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَم يَأتِكَ فَاتبِعني أهدك صِرَاطًا سَوِيًا).
o      في لوط -عليه السلام-: (ولُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا).
o      في يوسف -عليه السلام-: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
o      في داود وسليمان -عليهما السلام-: (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا).
o      في موسى -عليه السلام-: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
o      خطابًا لنبينا -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).
f    ما نزل على الأمم السابقة، قال -سبحانه-: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ).
f    مدح الراسخين في العلم: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).
f    الشهادة لأهل العلم: 
o      كقوله -تعالى-: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، قال ابن القيم -رحمه الله-: "اسْتشْهد سُبْحَانَهُ باولى الْعلم على اجل مشهود عَلَيْهِ وهو توحيده فَقَالَ شهد الله انه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة واولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ وَهَذَا يدل على فضل الْعلم واهله من وُجُوه" واسترسل في سردها حتى ذكر أكثر من 150 وجهاً في فضل العلم وأهله من هذه الآية الكريمة. مفتاح دار السعادة، جـ 1، صـ48 
o      (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا).
f    الثناء لأهل العلم، قال -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وقال: (هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ  وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)، وقال: (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ  وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ  وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وقال: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ  وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).
f    الأمر بطلب الزيَادة من العلم: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
f    اتباع العالم، كما في قصة موسى والخضر -عليهما السلام-: (قال لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)، قال ابن العربيّ -رحمه الله- حول هذه الآية: "وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ تَبَعٌ لِلْعَالِمِ، وَلَوْ تَفَاوَتَتْ الْمَرَاتِبُ". أحكام القرآن، جـ3، صـ240 

# # #

مكانة العلم في الإسلام:

f    أول سورة نزلت -وهي العلق- ابتُدئت بِالحديث عن العلم ووسائله، فمطلعها (اقرأ)، وذكّر فيها الإنسان بنعمتي القلم والعلم التي أعطانا الله -تعالى- إياها، فقال -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)، وقال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: "قوله الذي علم بالقلم يعني الخط والكتابة ; أي علم الإنسان الخط بالقلم . وروى سعيد عن قتادة قال: القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش. فدل على كمال كرمه سبحانه، بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة ، لما فيه من المنافع العظيمة ، التي لا يحيط بها إلا هو . وما دونت العلوم، ولا قيدت الحكم ، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ; ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا". تفسير القرطبي 
f    جاء في السيرة النبوية عناية نبينا -صلى الله عليه وسلم- بتعليم الكتابة، وهي من أهم وسائل تحصيل العلم:
o      جاء في خبر عبد الله بن سعيد بن العاص -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يعلم الكتابة بِالمدينة، وكان كاتبًا محسنًا" كما نقل ابن عبد البر في الاستيعاب.
o      في سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "علّمت أناسًا من أهل الصفة الكتابة والقرآن". 
o      قصة أسارى بدر حيث كان يفادى بالمال من يقدر على الفداء، ومن لم يقدر -وكان يعرف الكتابة- مفاداته أن يعلِّم 10 من الغلمان الكتابة، فكثرت الكتابة في المدينة بعد ذلك، فإذا كان المسلمون -وهم في بادئ أمرهم أحوج ما يكونون إلى المال والسلاح- يقدمون تعليم الغلمان الكتابة على ذلك كله، ليدل ذلك على أمرين: أولهما: شدة العناية بالتعليم، وثانيهما: جواز تعليم الكافر للمسلم ما لا تعلُّق له بالدين كالعلوم الأخرى، وقد كثر المتعلمون بسبب ذلك، حتى كان كتّاب الوحي أكثر من 40 رجلًا، ثم انتشرت الكتابة أكثر من ذلك.
o      إن قيل: "فلماذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعلن عن هذا الفضل كله للقلم لم يكن هو كاتبا به ، ولا من أهله بل هو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، كما في قوله: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم)" الجواب كما ورد في أضواء البيان، جـ9
1.      "أشرنا أولا إلى ناحية منه، وهي أنه أكمل للمعجزة ، حيث أصبح النبي الأمي معلما كما قال تعالى : (يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)، 
2.      وثانيا : لم يكن هذا النبي الأمي مغفلا شأن القلم ، بل عنى به كل العناية ، وأولها وأعظهما أنه اتخذ كتابا للوحي يكتبون ما يوحى إليه بين يديه ، مع أنه يحفظه ويضبطه ، وتعهد الله له بحفظه وبضبطه في قوله تعالى: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله)، حتى الذي ينساه يعوضه الله بخير منه أو مثله ، كما في قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) ، ووعد الله تعالى بحفظه في قوله : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومع ذلك فقد كان يأمر بكتابة هذا المحفوظ وكان له عدة كتاب ، وهذا غاية في العناية بالقلم".
o      أزال الإسلام العوائق التي تقف في طريقه، كالتحذير من اتباع الظن، واتباع الهوى، والجدل المذموم، والبغي، والريب، وتبديل كلام الله -تعالى-، وتحريف الكلم عن مواضعه، والنهي عن تقليد الآباء والسادة والكبراء والأحبار والرهبان بالباطل، ومحاربته للخرافة من السحر والشعوذة، والخرافات التي تتعلق بالتصور والاعتقادات الغيبية التي لا دليل لها، بل جعل من موارد الشرك اعتقاد ما ليس بسببٍ سبباً -كاعتقاد أن لبس الحلقة والخيط والتمائم سببٌ في الشفاء من الأمراض أو الوقاية منها-. فكما أن هذه الأمور قوادح في تجريد التوحيد فهي عوائق عن تطلّب العلم النافع في الأسباب الحقيقية. 
f    قال ابن تيمية -رحمه الله-: "والقرآن كله إنما هو دعاء إلى النظر والاعتبار وتنبيه على طرق النظر". بيان تلبيس الجهمية، جـ1، صـ257 ، فقد جاء في فضل العلم قوله -تعالى-: (الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)، فقدم ذكر العلم على الخلق، قال الراغب الأصفهاني -رحمه الله-: "دلَّ [أي القرآن] على تكميل نفسه [أي الإنسان] بالعلوم والآداب بقوله تعالى: (وعلَّم آدم الأسماءَ كلَّها)". تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، جـ1، صـ2 
# # #

تقسيم العلوم وأنواعها:




          يمكن تقسيم العلوم جملة إلى قسمين رئيسيين يتناولان كل أنواع العلوم، فقد قسم الإمام النووي -رحمه الله- العلم إلى قسمين: شرعي، وغير شرعي:


f    فقال عن القسم الأول: "باب أقسام العلم الشرعي هي ثلاثة :


o      الأول : فرض العين ، وهو تعلم المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه فعله إلا به (...)


o      القسم الثاني: فرض الكفاية ، وهو تحصيل ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية ، كحفظ القرآن ، والأحاديث ، وعلومهما ، والأصول ، والفقه ، والنحو ، واللغة ، والتصريف ، ومعرفة رواة الحديث ، والإجماع ، والخلاف ، وأما ما ليس علما شرعيا ، ويحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب ، والحساب ففرض كفاية أيضا نص عليه الغزالي".  المجموع، جـ1ـ صـ49 


f    تنقسم العلوم غير الشرعية إلى أقسام مختلفة تندرج تحتها أنواع كثيرة:

o      العلوم البحتة كالفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات.

o      العلوم التطبيقية كالطب والهندسة.

o      العلوم الإنسانية والإدارية والاقتصادية، وغيرها من الفنون.
# # #

العلوم التجريبية وما صاحبها من نزعة علموية

تاريخ العلوم التجريبية الغربي:
لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها
# # #

العلموية:


f    تعريفها:

o    لغة: نسبة إلى العلم من Science، ويحسن التنبيه هنا إلى أن ترجمة Science بالعلم أو العلوم فقط ليس دقيقاً؛ لأن فيه حصرًا للعلم بما يأتي بطريقة التجريب والملاحظة، وفيه استبعادًا لما يأني عن طريق الخبر الصادق والاستدلال العقلي، فينبغي أن يكون تعريب كلمة Science: العلم التجريبي أو العلوم الطبيعية، وليس العلم أو العلوم فحسب، هذا إذا عتبرنا المفهوم المعاصر لمصطلح Science، وإلا فإن هذه اللفظة مشتقة من الأصل اللاتيني Scientiaبمعنى المعرفة Knowledge، إلا أن مصطلح Science حصل لو نوع من التخصيص، ولذا فإنه ينصرف غالباً إلى علوم من قبيل الفيزياء والكيمياء والأحياء ...إلخ، أما  غيرها فيطق عليها دراسات إنسانية Humanities Studies أو دراسات لاهوتية، ولا يقولون علوم إنسانية غالباً، وإلا فهناك استثناءات.

o    اصطلاحًا: تيار فكري يحصر طرق الوصول إلى الحقيقة في العلم التجريبي، فيستبعد مثلًا الخبر الصادر من كونه مصدراً من مصادر المعرفة، حتى الأخلاق يزعمون أن مصدرها التطور الطبيعي للمادة.

f    أصولها: العلم التجريبي قائم على النسبية Relativity والمدحوضية falsifiability، وهذا المبدأ صاغه كارل بوبر (1902-1994) (1،2) وجعله فارقًا بين العلم وغير العلم، وفي هذا تحكم وتضييق لأبواب العلم والمعرفة؛ إذ أخرج منها الخبر الصادق وغيره من الأبواب.

f    من مآزقها:
لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها
f    من نقادها: 
لم تخل الساحة الفكرية الغربية من نقاد العلموية، فسابقًا كانوا من خارج دائرة العلم التجريبي، لكن بعد ذلك ظهرت مجموعة من نقاد العلموية من العلماء أو ممن لهم صلة قوية بِالعلم التجريبي ولديهم معرفة جيدة به، ورغم ذلك انتقدوا "التسبيح بِالعلم" كما قال أليكس روزنبرغ في فلسفة العلم، وانتقدوا الهيمنة العلمية Scientific Imperialism.
o    أسماء أسست مجال نقد العلموية: إميل بوترو، وهنري بوانكاريه، وبيير دوهيم، وهنري برجسون، وادوارد لي روي، وأوغست كورنو، وإرنست ماخ، وفيرنر هايزنبيرغ، وآرثر كومبتون، وغيرهم. 
o    هدفهم من نقد العلموية: تعيين حدود العلم، وسار كل منهم -أو من غيرهم- في طريق يصل لهذه الغاية؛ فمنهم من سلك طريق الرياضيات، ومنهم الفيزيَاء، وآخر علم الفلك، وهكذا، فيعيدون قراءة القوانين أو النظريَات العلمية وتحليلها ويبحثون من خلال ذلك عن حدود قدراتها بصورة عبّر عنها أندريه كريسوف بأن العلم يشرع بِمقاضاة ذاته.
o    خلاصة ما ما قرروه هو أنه مهما تكن نظريَات علم الطبيعة كاملة، فلا ينبغي اعتبارها إلا وسائل ملائمة؛ فهي مجرد وسائل لتصور الأشياء. فلتعتبر مخططًا، أو مذكرة، أو حيلة مبتدعة لفهم الكون، ويجب ألا نعتبرها أكثر من ذلك، وأقرّ عندها كثير من المفكرين المستقلين في أصولهم بأن العلوم الوضعية لا تتمتع إطلاقًا بتلك الدلالة وذلك المدى المتجاوز، وعكف بعدها الباحثون يتحرّون عن دلالة المفاهيم الأساسية التي تستخدمها العلو وعن قيمتها. وهنا نماذج من النقاد وحججهم:
لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها

o      هكذا قام كل من بوانكاريه ود وهيم بمحاكمة للعلموية، وكانت أهم نتيجة توصلا إليها وطرحاها مع غيرهما من نقاد العلموية أن النظريَات العلمية إنما هي تفاعل بين العالِم وموضوع علمه، وأن لعقل العالِم وتصوراته أثره في صناعة النظرية، وهي تفقد بهذا صفة الموضوعية والتعبير الواقعي عن الواقع، وميزتها تكمن في التيسير والتسهيل، وبقدر ما تقوم بذلك نقبلها فقط، ويخطئ من يظن أنها تُعبّر عن حقائق موضوعية.
o      رغم التباين والاختلاف بين جميع ما سبق إلا أن ما يَجمع بينهم نظرتهم النسبية إلى النظرية العلمية والمعرفة العلمية، مع الاتفاق على قيمة العلم الطبيعي وأهميته، ويعني هذا أنه لو جاء مستثمر للنظرية العلمية واتخذها مصدرًا ومرجعًا للتكذيب بأمور خارج إطارها فهو مخطئ بفعله هذا ويُعدّ هذا الوضع تغيرا كبيرا حول تصور قيمة النظرية العلمية؛ لأنه قبل حملة نقاد العلموية كانت النظريَات العلمية مرجعًا للتصديق والتكذيب بِالقضايَا الغيبية، أما بعد حملتهم فقد أصبحت النظريَات مرجعًا لعمل العالم فقط، وفتحت بذلك أفقاً واسعاً داخل إطار فلسفة العلم التجريبي.
f    لماذا انقلبت كل هذه التيارات على النزعة العلموية؟
لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها


         لقد كانت هذه الاكتشافات جزءًا مما أصاب الفكر المعاصر بِالصدمة، وفتح باب الأسئلة من جديد، وتحولت أشهر التيارات إلى العناية بِالإنسان أو البحث في حقيقة الوجود، والقوم يسيرون دون هدى من الله، فمثلهم كمثل من صور الله لنا حاله: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ).
كان هذا بعض ما ذكُر حول نقد العلموية في الرسالة الملهمة لـ د.حسن الأسمري بعنوان النظريَات العلمية الحديثة: مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها - دراسة نقدية.

f    من إشكاليات العلموية التي تتبنى الداروينية:
o      الإنسان: تصورها يهمش الإنسان، ويراه مجرد حثالة كيميائية على سطح كوكب متوسط الحجم كما يقول ستيفن هوكنج، وتنفي أي غاية من وجود الإنسان في هذا الكون، وترى وجوده حدثاً اعتباطياً قادت إليه الصدفة التي لا موجه لها.
o      الكوكب: يحتج بعض الملاحدة على تفاهة الإنسان وعبثية وجوده أن الأرض التي يقف عليها ليست في مركز الكون كما توصل لذلك نيكولاس كوبرنيكوس -وهو ريَاضي وفلكي وفيلسوف بولندي يعدّونه من روّاد النهضة الأوروبية-، وقد ألف توماس كون في ذلك كتاب الثورة الكوبرنيكية؛ فالأرض حسب هذا الاكتشاف مجرد جرم صغير في طرف من أطراف الكون البعيدة، ومن المستفيض في أدبيات الحضارة الغربية أن هذا الاكتشاف زلزل إيمان الكثيرين في أوروبا ومهدَ لإلحادهم، بِالرغم من أن كون الأرض في المركز أو لا ليس ما يترتب عليه شيءٌ مهم، ولكنه أمرٌ أُعطي أكثر من أهميته.
§       يقول مايكل دنتون في كتابه قدر الطبيعة: "كون الأرض ليست المركز الفراغي للكون لا يحمل أي معنى في يومنا هذا؛ لأن الكون الذي اكتشفه علم الفلك في ق21 ليس له مركز فراغي، ومن المفارقة أن موضعنا الهامشي نسبياً على الذراع الحلزونية لمجرة عادية جداً هو أمر في غاية الحظ، فلو كنا في موضع أكثر مركزية -قرب محور المجرة مثلا - لكان أدعى أن تكوف معرفتنا أقل مما هب عليه بأكوان المجرات الأخرى، فربما في موقع كهذا يمكن لضوء النجوم المحيطة بنا أن يحجب رؤيتنا للفضاء، وربما لم  تكن لتتطور على الإطلاق علوم الفلك والكونيات التي نعرفها الآن"، وهذا ما يجلي بوضوح مبدأ تسخير الله -تعالى- للكون.
§       يقول روبرت أغروس: "ومع أن الإنسان ليس في مركز الكون ماديا [وهذا ما شكك فيه ستيفن هوكنج في كتابه تاريخ أكثر إيجازًا للزمن] فهو على ما يظهر في مركز الغاية من خلقه".
§       اكتشف ديفيد كنج أن كثيرا من النظريَات المنسوبة لكوبرنيكوس (1543م) تعود لابن الشاطر (1375م) الذي أتى قبله بقرنين من الزمان، وقد عُثر على مخطوطات عربية في بولندا تبين أن كوبرنيكوس اطلع عليها، وقال مارشال هودغسون في كتابه المشروع الإسلامي: "إن أصح جزء من الناحية العلمية في عمل كوبرنيكوس كان قد تم التنبؤ به قبل ذلك بقرنين من الزمان في أذربيجان"، وقال جورج سارتون في مقدمة في تاريخ العلم: "علي بن عمر الكاتبي وقطب الدين الشتَازي وأبو الفرج علي ذكروا دوران الأرض قبل كوبرنيكوس بثلاثة قرون"، وقدّم جورج صليبا تفصيلا دقيقاً لا مثيل له عن تأثير علوم الحضارة الإسلامية في النهضة الأوروبية، كما يظهر خصوصاً تأثير علم الفلك الإسلامي واستخدام النماذج الريَاضية في تكميم حركة الأجسام.


مصادر المعرفة:


قال -تعالى-: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

f    منافذ تحصيل المعرفة:

o      السمع أول طريق لتلقي علوم الوحي، والبصر أول طريق لتلقي العلوم التجريبية -في الغالب-

o      السمع والبصر والفؤاد وسائل ومنافذ لتحصيل العلم والمعرفة، وكما قال ابن تيمية: "هذه الأعضاء الثلاثة هي أمهات ما ينال به العلم"، و"قد جمع الله للمسلمين جميع طرق المعارف الإنسانية".

f    العلوم حسب منافذ تحصيل المعرفة:

o      العلوم السمعية أو علوم الوحي: ترتبط بالأذن والقلب، ومن كونه مصدرًا للوحي تأتي أهمية السمع للعلوم الدينية، ويتم تبعًا للمراحل الآتية:

o      العلوم الدنيوية الحسية: ترتبط بالعين، ومن ذلك أهمية الملاحظة للعلوم التجريبية، حتى أصبحت الملاحظة والتجربة ركني تحصيل العلوم المادية.

f    مصادر العلم حسب ابن تيمية -رحمه الله- (1):

o      "العلم ينال بالحس والعقل، وما يحصل بهما وبوحي الله إلى أنبيائه الذي هو خارج عما يشترك فيه الناس من الحس والعقل. ولهذا قيل : الطرق العلمية البصر ، والنظر ، والخبر : الحس ، والعقل والوحي : الحس والقياس ، والنبوة. فأهل الكتاب امتازوا عن غيرهم بما جاءهم من النبوة مع مشاركتهم لغيرهم فيما يشترك فيه الناس من العلوم الحسية ، والعقلية . والمسلمون حصل لهم من العلوم النبوية والعقلية ما كان للأمم قبلهم ، وامتازوا عنهم بما لا تعرفه الأمم وما اتصل إليهم من عقليات الأمم هذبوه لفظا ومعنى حتى صار أحسن مما كان عندهم ونفوا عنه من الباطل وضموا إليه من الحق ما امتازوا به على من سواهم . وكذلك العلوم النبوية أعطاهم الله ما لم يعطه أمة قبلهم ، وهذا ظاهر لمن تدبر القرآن مع تدبر التوراة والإنجيل" الجواب الصحيح، جـ3، صـ8

o      "أكمل الأمم علما المقرون بالطرق الحسية والعقلية والخبرية فمن كذب بطريق منها فاته من العلوم بحسب ما كذب به من تلك الطرق" درء تعارض العقل والنقل، جـ1، صـ102 

o      مع كون علوم الوحي مبناها على السمع، فإن ذلك لا يعني أنها مجرد أخبار عاريّة من الأدلة العقلية. يقول ابن تيمية-رحمه الله-: "وليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقصورا على مجرد الخبر كما يظنه كثير ; بل هم بينوا من البراهين العقلية التي بها تعلم العلوم الإلهية ما لا يوجد عند هؤلاء ألبتة . فتعليمهم صلوات الله عليهم جامع للأدلة العقلية والسمعية". الفتاوى، المنطق، جـ9، صـ227
لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها

f    مصادر العلم وأقسامه حسب ابن القيم -رحمه الله-:

o      "طرق العلم ثلاثة : الحس ، والعقل ، والمركب منهما ، فالمعلومات ثلاثة أقسام : أحدها : ما يعلم بالعقل ، والثاني : ما يعلم بالسمع ، والثالث : ما يعلم بالعقل والسمع ، وكل منها ينقسم إلى ضروري ونظري ، وإلى معلوم ومظنون وموهوم ، فليس كل ما يحكم به العقل يكون علما ، بل قد يكون ظنا أو وهما كاذبا ، كما أن ما يدركه السمع والبصر كذلك ، فلا بد من حاكم يفصل بين هذه الأنواع". مختصر الصواعق المرسلة، جـ1، صـ119
لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها

o      مفهوم الإيمان في القرآن لا يراد به اعتقاد ما لا يمكن برهنته، بل هو مملوء بطلب البرهان في أمور الديانة، وهذا يخالف مفهوم الإيمان عند النصارى، فما يسمى Faith يرتبط غالباً عندهم بِما لا يمكن التدليل عليه ولا برهنته، ولهذا يقول جان بودان: "يمكن القول عن دارس الريَاضيات الذي يصدِّق النظرية عندما يطرحها معلمه من دون أن يفهمها: إنه يتحلى بِالإيمان من غير أن يمتلك المعرفة، ولكنه حالما يدرك مغزى البرهان ويقتنع بصحة النظرية ويبلغ المعرفة يفقد الإيمان"، وهذا مبني على اعتبارهم الإيمان ما يتعذر برهنته أو ما لا يُفهم.

# # #

هل يمكن أن يتعارض الدين مع العلم التجريبي؟

لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها

f    من شهادات العلماء على عدم فصل الإسلام العلم عن الدين:

لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها

f    من شهادات العلماء على عدم تعارض العلم مع الدين:

لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها

f    مدلول مفردة العلم في القرآن الكريم:

o      من ضمن الأمور التي دعا القرآن الكريم والأحاديث النبوية إلى اتّباعها وجعلها من مصادر المعرفة: العقل، والعلم، والتجربة البشرية.

o      بالرغم من أن مفردة "العلم" التي وردت في القرآن الكريم لا ترادف العلم التجريبي، إلاّ أنّ المعطيات القطعية للعلوم هي من مصاديق العلم؛ أي يصدق عليها وصف العلم، فما يفيده العلم التجريبي من معطيات قطعية هي معطيات معتبرة ومقبولة، كما يدل في الوقت نفسه على استحالة تعارضها مع الوحي.

o      متى بدا لنا ثمة تعارض بين دليلين قطعيين: سمعي وتجريبي، فإن هذا التعارض غير حقيقي، وإنما هو تعارض في بادي النظر، وسيرتفع موضوع التعارض بِالنظر والتأمّل، وربما يكون التعارض قد نشأ من خلال افتراض أن أحد طرفي التعارض أمر قطعي ويقيني على نحو الخطأ والاشتباه.

o      ما تم بيانه هنا لإثبات عدم وجود تعارض بين الوحي القطعي والحقائق العلمية التجريبية وليست النظريَات الظنية.
كان هذا التقرير ملخصاً من ورقة (إشكالية التعارض بين العلم والدين) ضمن مجموعة إشكاليات التعارض وآليات التوحيد، وبالجملة، فإن هذا الأسلوب في دفع التعارض هو الذي سلكه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه درء تعارض العقل والنقل، حيث وُجد في زمنه من يفترض وقوع مثل هذا التعارض، واليوم يفترض بعضهم وقوع التعارض بين العلم التجريبي وبين الوحي، وهذا لا يكون؛ إذ أن خالق الحقيقة الكونية هو قائل الحقيقة القرآنية؛ فيستحيل التعارض بين العلم التجريبي وبين الوحي.   
# # #

لعلنا حين تحدثنا عن السمع والبصر يقودنا ذلك إلى الحديث عن مبدأ التسخير في القرآن؛ فبالسمع والبصر والفؤاد يحصل الانتفاع بِما سخره الله -تعالى- للإنسان في الكون.

f    ورد التسخير وما تصرف منه في القرآن الكريم في أكثر من 20 موضعًا، كما ورد بمثل هذا المعنى في مواضع كثيرة بألفاظ أخرى، مثل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ  وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)

f    قال الراغب الأصفهاني: "وقد اوجد اللّه تعالى كل ما في العالم للانسان كما نبه عليه بقوله (جعل لكم الا رض فراشا والسماء بناء واءنزل من السماء ماء فاءخرج به من الثمرات رزقا لكم) وقال تعالى (والا نعام خلقها لـكـم فيها دف ء) وقال (وسخرلكم ما فى السموات) الايه وقال تعالى (سخر لـكـم ما في الا ض) وقال تعالى (هو الذى اءنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فـيه تسيمون # ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والا عناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لا ية لقوم يتفكرون # وسخر لكم الليل) الايات، وابـاح جـمـيـعـا لـهـم كـمـا نـبـه اللّه تـعالى عليه بقوله (قل من حرم زينة اللّه التي اءخرج لعباده) فـلـلانـسـان ان ينتفع بكل ما في العالم على وجه اما غذائه اوفي دوائه اوفي ملبوساته ومشموماته ومـركـوبـاتـه وزيـنـتـه , والالتذاذ بصوته او رؤيته والاعتبار به وباستفادة علم منه والاقـتـداء بفعله فيما يستحسن منه والاجتناب عنه فيما يستقبح منه، وقد نبه اللّه تعالى على منافع جـمـيـع الـمـوجـودات". تفصيل النشأتين 

f    أرشد اللهُ -سبحانه- الإنسانَ إلى السعي في مصالحه، وامتن عليه بجعل الأرض صالحة للعمارة: فقال تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)

f    شرع الله -تعالى- العمل المتعدّي نفعه إلى الغير، ولم يَأمر بِالقعود عن البذل ولو كان في انتظار الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا"، قال العيني: "استدل به بعضهم على أن الزراعة أفضل المكاسب واختلف في أفضل المكاسب فقال النووي أفضلها الزراعة وقيل أفضلها الكسب باليد وهي الصنعة وقيل أفضلها التجارة (...) وقد يقال هذا أطيب من حيث الحل وذاك أفضل من حيث الانتفاع العام فهو نفع متعد إلى غيره وإذا كان كذلك فينبغي أن يختلف الحال في ذلك باختلاف حاجة الناس فحيث كان الناس محتاجين إلى الأقوات أكثر كانت الزراعة أفضل للتوسعة على الناس وحيث كانوا محتاجين إلى المتجر لانقطاع الطرق كانت التجارة أفضل وحيث كانوا محتاجين إلى الصنائع أشد كانت الصنعة أفضل وهذا حسن (...) وفيه أن الغرس والزرع واتخاذ الصنائع مباح وغير قادح في الزهد وقد فعله كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم (...) وفيه الحض على عمارة الأرض لنفسه ولمن يأتي بعده".عمدة القاري، جـ18، صـ429-439  

f    قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم  عملًا أن يتقنه"، ويفسر ذلك صاحب فيض القدير بقوله: "أي يحكمه كما جاء مصرحا به في رواية العسكري فعلى الصانع الذي استعمله الله في الصور والآلات والعدد مثلا أن يعمل بما علمه الله عمل إتقان وإحسان بقصد نفع خلق الله الذي استعمله في ذلك ولا يعمل على نية أنه إن لم يعمل ضاع ولا على مقدار الأجرة بل على حسب إتقان ما تقتضيه الصنعة"، وقال الصنعاني في التنوير: "(إن الله يحب إذا عمل أحدكم  عملًا) دينيًا أو دنيويًا له تعلق بالدين (أن يتقنه) الإتقان الإحسان والتكميل؛ أي يحسنه ويكمله"

f    فيما يتعلق بِالأخذ بِالأسباب -وهذا المبدأ من أصول العلم - ففي القرآن والسنة تنبيه إلى أن الإيمان بِالقدر والأخذ بِالأسباب لا يتعارضان، ويَجب ألا يتعارضا في حياة المسلم، فيتوكل على الله مع جدّه في السعي والعمل واحتياطه من المخاطر مثلما جاء في الآية الكريمة: (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)، وأيضًا: (ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا)، وأيضًا: (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة". شفاء العليل، جـ1، صـ189  

# # #

العلوم التجريبية طريق للتفكر في الخلق:


f    قال -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، وقال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)، وقال: (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ).

f    قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ودلائل النبوة من جنس دلائل الربوبية، فيها الظاهر البين لكل أحد ; كالحوادث المشهودة ; مثل خلق الحيوان والنبات والسحاب وإنزال المطر ، وغير ذلك ، وفيها ما يختص به من عرفه مثل دقائق التشريح ومقادير الكواكب وحركاتها ، وغير ذلك". الجواب الصحيح، جـ5، صـ435  فالاطلاع على العلوم التجريبية يفتح بابا واسعاً للتفكر في عظيم صنع الله المؤدي إلى خشيته.

f    من شهادات العلماء على أن العلم التجريبي دليلًا على عظمة الله -تعالى-:

لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها
 
f    من الأدلة التاريخية على عدم التعارض بين العلم التجريبي والسمعي:

o      جمع عدد من المسلمين بين تحصيل العلوم النقلية والعلوم العقلية وبين علوم الآخرة وعلوم الدنيا؛ إذ حصلوا علوم الشرع كعلوم القرآن والحديث واللغة والعلوم التجريبية كالفيزياء والكيمياء والطب والهندسة وغيرها، وفي كتاب الجامعون بين العلوم الشرعية والعلوم التجريبية أسماء أكثر من ألف شخصية على هذا الوصف.

o      قال القرافي -رحمه الله-: "أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات والحسابيات والسياسات والعلوم الباطنة والظاهرة (...) حتى قال بعض الأصوليين لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته". الفروق، جـ4، صـ170

o      قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فان النظر في العلوم الدقيقة يفتق الذهن ويدر به ويقويه على العلم فيصير مثل كثرة الرمي بالنشاب وركوب الخيل تعين على قوة الرمي والركوب وإن لم يكن ذلك وقت قتال وهذا مقصد حسن ولهذا كان كثير من علماء السنة يرغب في النظر في العلوم الصادقة الدقيقة كالجبر والمقابلة وعويص الفرايض والوصايا والدور لشحذ الذهن فانه علم صحيح في نفسه". الرد على المنطقيين، صـ255

o      قال -تعالى-: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) فينبغي أن تكون الاختراعات والاكتشافات بنية إقامة دين الله ونصرته، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وتعلم هذه الصناعات هو من الأعمال الصالحة لمن يبتغي بذلك وجه الله عز وجل". الفتاوى، الجهاد، جـ28، صـ13 

f    من النماذج الإسلامية في الجمع بين العلم السمعي والتجريبي:

لم يكن طلب العلوم التجريبية مقتصراً على الزنا دقة أو أهل العقائد المنحرفة كما يصوِّرُ بعضهم، بل كان كثير من هؤلاء العلماء من أهل الاعتقاد الحسن والسلوك المستقيم.

o      جاء في ترجمه عبدالمؤمن بن عبدالحق القطعي -رحمه الله-: "وتفقه عَلِي أَبِي طَالِب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُمَر البصري المتقدم ذكره ، ولازمه حَتَّى برع وأفتى ، ومهر فِي علم الفرائض والحساب ، والجبر والمقابلة ، والهندسة والمساحة ، ونحو ذَلِكَ، (...) فصنف فِي علوم كثيرة منها : مَا لَمْ يكن سبق لَهُ فِيهَا اشتغال ، وصنف فِي الفقه والأصليين ، والجدل والحساب ، والفرائض ، والوصايا ، وَفِي التاريخ ، والحَدِيث ، والطب ، وغير ذَلِكَ، (...) ونقل بَعْضهم عَنِ الْقَاضِي برهان الدين الزرعي ، أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هُوَ إمامنا فِي علم الفرائض ، والجبر والمقابلة". الذيل على طبقات الحنابلة.

o      قال القاضي عياض عن المارزي: "وإليه كان يفزع في الفتوى في الطلب في بلده كما يفزع إليه في الفتيا في الفقه". الديباج المذهّب

o      قال السخاوي عن ابن المجدي الفقيه: "وصار رأس الناس في أنواع الحساب والهندسة والهيئة والفرائض وعلم الوقت بلا منازع". الضوء اللامع

o      جاء في ترجمة ابن تيمية أنه: "قرأ الفقه والأصول والخلاف والحساب والهندسة والفلسفة والعلوم القديمة حتى برع في ذلك كله". شذرات الذهب

وليس المقصود أن الجمع بين هذين النوعين من العلوم في شخص واحد هو شرط لتحقّق الكمال، ولكن المراد لفت الأنظار إلى أن المسلمين في عصور قوتهم لم يعرفوا فصاماً بين طريقي الدنيا والآخرة؛ إذ أن "التعاليم القرآنية لا تفصل ببن الروحي والزمني"، كما قال مارسيل بوازار.

f    إسهام المسلمين في العلوم التجريبية:

o      قد يعيب بعضهم التراث الإسلامي بأن أكثره علوم نظرية ليس فيها علوم تطبيقية أو تجريبية؛ كالفيزيَاء، والكيمياء إلا القليل، لكن إذا قارنتَ بين نتاج المسلمين العلمي على مدى 8 قروف وبين نتاج الأوروبيين العلمي في نفس المدة فستطيش الكفة لصالح المسلمين بلا شك وبِاعتراف الغربيين أنفسهم:

لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها
 
o      قال ابن تيمية -رحمه الله- ردًا على بعض الفلاسفة الذين يَجعلون مجرد تصوّر الكليات أشرف من العلوم الطبيعية: "تقسيمهم العلوم إلى الطبيعي والرياضي والإلهي وجعلهم [ الرياضي ] أشرف من الطبيعي . والإلهي أشرف من الرياضي . هو مما قلبوا به الحقائق فإن العلم الطبيعي وهو العلم بالأجسام الموجودة في الخارج ومبدأ حركاتها وتحولاتها من حال إلى حال وما فيها من الطبائع أشرف من مجرد تصور مقادير مجردة وأعداد مجردة". الفتاوى، المنطق، جـ9، صـ125

# # #

علاقة العلوم الطبيعية بالقرآن الكريم:


f    يذكر القرآن الكريم الظواهر الطبيعية في سياق بيان قدرة الله -تعالى- على هداية الإنسان إلى الحمد والشكر، ودلالة الخلق على الخالق، وبيان وظيفة الإنسان وعلاقته بِالكون، ولا يذكرها مجردة كما في الكتب العلمية؛ فالقرآن جاء لتعبيد الخلق لله، وهذه العلوم الدنيوية إنما هي أدوات لتحقيق الغاية، وانقسم العلماء بين من يوسع في دلالات الآيات على العلم التجريبي وبين من يضيقها:
آراء العلماء الذين يوسعون في دلالات الآيات
على العلم التجريبي
آراء العلماء الذين يضيقون في دلالات الآيات
على العلم التجريبي
o  ظهر فن يسمى بالتفسير العلمي، وهو: اجتهاد المفسر في كشف الصلة بين آيَات القرآن الكريم الكونية ومكتشفات العلم التجريبي، على وجه يظهر به إعجاز القرآن: يدل على مصدره، وصلاحيته لكل زمان ومكان.
o  من العلماء في ذلك أبو حامد الغزالي في الذي قال: "كل ما أشكل فيه على النظار واختلف فيه الخلائق في النظريَات والمعقولات ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه يَختص أهل الفهم بدركها". الإحياء
o  يمكن مراجعة كلامه في جواهر القرآن،الفصل الخامس (هنا).
o  يمكن مراجعة كلام الفخر الرازي (هنا) من قوله: "وربما جاء بعض الجهال والحمق (...) ممنوعا منه لما فعل".
o  يقول السيوطي: "احتوى [القرآن] على علوم أخرى من علوم الأوائل مثل : الطب ، والجدل ، والهيئة ، والهندسة ، والجبر والمقابلة، والنجامة وغير ذلك "، ويقول: "اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء ، أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها ، وفيه عجائب المخلوقات ، وملكوت السماوات والأرض ، وما في الأفق الأعلى وتحت الثرى ، وبدء الخلق" الإنقان
o  يمكن مرجعة كلام الشاطبي في الموافقات، المسألة الرابعة (هنا)
o  يلخص الطاهر ابن عاشور علاقة العلوم بالقرآن في التحرير والتنوير، فجعلها على أربع مراتب:
الأولى: علوم تضمنها القرآن كأخبار الأنبياء والأمم، وتهذيب الأخلاق والفقه والتشريع والاعتقاد والأصول والعربية والبلاغة .
الثانية: علوم تزيد المفسر علما كالحكمة والهيئة وخواص المخلوقات .
الثالثة: علوم أشار إليها أو جاءت مؤيدة له كعلم طبقات الأرض والطب والمنطق .
الرابعة: علوم لا علاقة لها به إما لبطلانها كالزجر والعيافة والميثولوجيا، وإما لأنها لا تعين على خدمته كعلم العروض والقوافي .
o  يمكن مراجعة كلام الزرقاني في فصل القرآن كتاب هداية وإعجاز من كتابه مناهل العرفان (هنا).

f    تعلم العلوم الطبيعية ألصق في القرآن بباب التسخير وباِب إعداد القوة مِن جعله مندرجاً تحت العلم الممدوح في القرآن، إذ الغالب إطلاق العلم في القرآن على العلم بِالله وبشرعه المنزل على رسله، ولا ينصرف غالباً إلى العلوم الطبيعية. أما مشروعية العلوم الطبيعية فينبغي أن يكوف أصلها الآية الجامعة: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وما جاء من الآيات الكريمة في موضوع تسخير الأرض للإنسان، وهذا يقتضي الاستفادة من مواردها، وكلمة (قوة) هنا نكرة، والتنكير يفيد العموم، قال البقاعي: "أي قوة كانت"، وقال السعدي: "أي‏:‏ كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية"، فالعلوم التجريبية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بهذا الباب، وليست القوة تقتصر على باب واحد من أبواب العلوم.

f    س: لماذا بعض نصوص الوحي حمالة أوجه؟ وهل لو كانت صريحة الدلالة لكانت أقطع للنزاع؟

1.      النزاع واقع حتى في تفسير النصوص القانونية العصرية جامدة الأسلوب؛ ولهذا ينصون أحيانا ًعلى أن الحق في تفسير مادة معينة هو للجهة الفلانية، وذلك لاحتمال النزاع في تفسيرها مع بالغ اجتهادهم في صياغتها على أصرح وجه وأوضحه وأبعده عن اللبس والغموض.

2.      النزاع في التأويل واقع حتماً إما لتفاوت الفهم وإما لضعف الإرادة في إصابة الحق، ولذلك جعل أهل الزيغِ المتشابه من النصوص سلّماً لإثارة الشبهات وإضلال الناس، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "معرفة الحكم والمعاني التي تضمنتها الشريعة من أشرف العلوم فمنه الجلي الذي يعرفه كثير من الناس ومنه الدقيق الذي لا يعرفه إلا خواصهم" الفتاوى، أصول الفقه

3.      من حكم خفاء بعض المعاني التعبد ببذل الجهد في إصابة مراد الشارع، وهذا مما يعظم الأجر فوق كونه مما يشحذ العقل، ويقدح الفكر.

# # #

مراتب العلم:


العلم الحقيقي هو العلم بالله وما يوصل إليه من وحيه الذي أنزله على أنبيائه:

f    قال أبو حامد الغزالي: "ما ورد من فضائل العلم والعلماء أكثره في العلماء بِالله تعالى وبأحكامه وبأفعاله وصفاته"، وقال: "أشرف العلوم العلم بِالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله، والعلمُ بِالطريق الموصل إلى هذه العلوم". وقال: "وأشرف أنواع العلم هو العلم بِالله وصفاته وأفعاله، فَبِه كمال الإنسان، وفي كمالِه سعادتُه".

f    قال ابن تيمية: "العلم الإلهي الذي جاءت به الرسل وهو العلم الأعلى ; الذي تكمل به النفس مع العمل بموجبه" الفتاوى، العقيدة، وقال: "العلم الذي هو أصل السعادة ورأسها هو العلم بالله" الصفدية، جـ2، صـ250، وقال: "إنما العلم الأعلى هو العلم بالله والله هو الأعلى على كل شيء من كلِّ وجهٍ كما قال سبحانه (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فالعلم به أعلى العلوم وإرادة وجهه أفضل الإرادات ومحبته أفضل المحبات" الرد على الشاذلي، جـ1، صـ193،  وقال: "وهذا بخلاف العلم الأعلى عند المسلمين فانه العلم بالله الذي هو في نفسه أعلى من غيره من كل وجه والعلم به أعلى العلوم من كل وجه والعلم به اصل لكل علم" الرد على المنطقيين، جـ131.

f    طريق العلم بِالله هو تعلم ما أنزله في وحيه، ومن هنا كانت الخيرية فيمن تعلم القرآن وعلمه؛ فـ"أفضل ما تشوغل به حفظ القرآن، ثم الفقه، وما بعد هذا بِمنزلة تابع" ابن الجوزي، صيد الخاطر.

f    مراتب العلم عند ابن عبدالبر حسب كتابه جامع البيان:

لوضوح أكثر يمكن الضغط على الصورة لتكبيرها

العبرة من العلم في الإسلام هي العمل:


f    فصلت العلوم وصُنِّفت لأجل التصور والبناء المعرفي لا لأجل أن يفصم بين العقيدة والشريعة، والإيمان والسلوك، فتجدَ عارفاً متهتكاً في آن واحد، بل إن العلم النافع حقاً هو ما يورث الخشية:

1.      قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "يقول تعالى ذكره: إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء، بقدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته؛ فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه. (...) قال ابن عباس -رضي الله عنه: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير، (...) قال قتادة: كان يقال: كفى بالرهبة علمًا".

2.      قال الجصاص -رحمه الله- عن هذه الآية: "فيه الإبانة عن فضيلة العلم وأن به يتوصل إلى خشية الله وتقواه ؛ لأن من عرف توحيد الله وعدله بدلائله أوصله ذلك إلى خشية الله وتقواه ؛ إذ كان من لا يعرف الله ولا يعرف عدله وما قصد له بخلقه لا يخشى عقابه ولا يتقيه ؛ وقوله في آية أخرى : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وقال تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية إلى قوله : ذلك لمن خشي ربه فأخبر أن خير البرية من خشي ربه ، وأخبر في الآية أن العلماء بالله هم الذين يخشونه ، فحصل بمجموع الآيتين أن أهل العلم بالله هم خير البرية وإن كانوا على طبقات في ذلك". أحكام القرآن، جـ5، صـ246  

3.      قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذا يدل على أن كل من خشي الله فهو عالم . وهو حق ولا يدل على أن كل عالم يخشاه ; لكن لما كان العلم به موجبا للخشية عند عدم المعارض كان عدمه دليلا على ضعف الأصل إذ لو قوي لدفع المعارض . وهكذا لفظ "العقل" يراد به الغريزة التي بها يعلم ويراد بها أنواع من العلم . ويراد به العمل بموجب ذلك العلم وكذلك لفظ "الجهل" يعبر به عن عدم العلم". الفتاوى، العقيدة، صـ539 

4.      قال الشاطبي -رحمه الله-: "العلم الذي هو العلم المعتبر شرعا - أعني الذي مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق هو العلم الباعث على العمل ، الذي لا يخلي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان". الموافقات، جـ1، صـ89 

# # #

قيمة العلم التجريبي:


f    بعض الناس يغالون في قيمة رموز العلم التجريبي حتى يحكمون بِالجنة لمن نفع البشرية بِاختراع أو اكتشاف ولو كان من غير المسلمين، ويكفي في بطلان ذلك قوله -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فما هو الجواب على من يسأل إن كان ذلك من العدل الإلهي، والجواب هو:

1.      الله -تعالى- أرحم الراحمين، كما أنه لا يظلم أحدًا مثقال ذرة،

2.      قال -تعالى-: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ  وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ)، وقال: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) قال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "يقول تعالى ذكره: من كان طلبه الدنيا العاجلة ولها يعمل ويسعى، وإياها يبتغي، لا يوقن بمعاد، ولا يرجو ثوابا ولا عقابا من ربه على عمله (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) يقول: يعجل الله له في الدنيا ما يشاء من بسط الدنيا عليه، أو تقتيرها لمن أراد الله أن يفعل ذلك به، أو إهلاكه بما يشاء من عقوباته.(ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها) يقول: ثم أصليناه عند مقدمه علينا في الآخرة جهنم، (مَذْمُوما) على قلة شكره إيانا، وسوء صنيعه فيما سلف من أيادينا عنده في الدنيا(مَدْحُورًا) يقول: مبعدا: مقصى في النار".

3.      قال -تعالى- في علم الكفار: (ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ 

f    كل علم لا يساوي شيئًا في علم الله -تعالى- مهما بلغت كثرته وإبهاره، وإدراك ذلك يؤدي لعدم الغرور بما يصل له البشر من علم، ويدفع بأهله لمعرفة أقدراهم، وكذلك لمعرفة أن العلم بحر لا ساحل له، وعلى المسلم الاستزادة من العلم النافع، وعدم التوقف عند أي باب إلا ما أمر الشرع بالتوقف عنده؛ فالمسلم لا يغتر بما وصل إليه من العلم كالملاحدة، ولا يقف عند حد في طلب النافع منه.










No comments:

Post a Comment