Wednesday, February 15, 2012

نظرة في المسؤولية الفردية في الإسلام

     أثناء قراءتي لكتاب خلق المسلم اتضحت لي بعض معالم المسؤولية في الإسلام ودارت في رأسي العديد من الأفكار التي أحببت أن أدونها. فالإسلام -حسب ما يورد الغزالي في صـ 53- يحمّل الإنسان أمانة رسالة الإسلام بين يدي الكتاب والسنة كي يتولى مسؤولية تلك الأمانة بشكل فردي؛ حيث يصبح على كل فرد تطبيق ما فيها على الوجه الصحيح، ولقيمة الأمانة في الإسلام فإن من يخونها تتحتم عليه العقوبة، وبهذا يكون قد ظلم نفسه. وباستعراض سريع لآيات كريمات من كتاب الله، يَثبت شأن هذه المسؤولية الفردية. فالله تعالى -على سبيل المثال- يورد قصة امرأة فرعون التي آمنت كفرد واحد بما عتقدت صحته بالرغم من أنه يخالف ما آمن به سكان قصرها. فانتحت الجانب الفردي باتباع الحق وليس الإيمان بما يؤمن به الجميع فقط لأنه ما يؤمن به الجميع. وكذلك الأنبياء الكرماء لوط ونوح الذين آمنوا بما لم يؤمن به قومهم ولا أفراد عائلتهم. فللفرد شأن كما للجماعة شأن، ولإيمان الفرد شأن كما هو إيمان الجماعة؛ فكل مسؤول عن اختياره وما يعتقد صحته بفعل وجود الدلائل والإثباتات.

وحين نتساءل: لم أتحمل أمانة لم أطلب حملها؟ نجد أن إلهنا قد أجابنا على هذا السؤال، ففي كتابه الكريم أن الله تعالى حين حين خلق الأرواح استنطقها فسألها أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا أي شهدنا عَلَى أنفسنا ونطقنا بذلك، ثُمَّ يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ جملة أن تقولوا معناها: أي استنطقناكم واستشهدناكم كي لا تقولوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ[الأعراف:172] المصدر، ولهذا يقول د. مصطفى محمود في رحلته من الشك إلى الإيمان أن حياتنا اليوم ما هي إلا فصل من فصول رحلتنا، فنحن الآن في مرحلة العمل. 

فنلاحظ في هذا الجزء المسؤولية الفردية التي يتحملها كل فرد على هذا الكون، والتي تؤكد على قيمة الفرد صاحب الرسالة التي تجمع بين العبادات الدينية والمعاملات الاجتماعية فتكوّن طريقة "واقعية" للحياة قابلة لتفعيل مختلف الطاقات التي يمتلكها الفرد. وحين أتأمل في الأفراد في مجتمعنا وأنا في السيارة فأرى أصحاب المحلات والعاملين في مختلف القطاعات أتساءل: هل يا ترى يعي الأفراد قيمتهم؟ فكم هو جميل أن نرى الساعين لمعرفة ذواتهم وفهمها ومعرفة قدراتهم. وبالمقابل كم أحزنني حين سألت طالباتي مرة عن القراءة فرُفعت القليل من الأيدي ممن يقرأ، فكيف يعرف الفرد قيمته وماهيته إذا لم يكن يقرأ ويطلع ويبحث ويستكشف ليفهم نفسه ومن أي مجتمع ومن أي حضارة هو؟

من هؤلاء الأفراد تنبثق المجتمعات التي يتعاون فيها أصحابها على حمل الرسالة ويتقاسمونها بالبر والتقوى فيصنعون بيئة منظمة  ذات قيم يسيرون على أساسها وذات هدف سامٍ يخدمون فيه الحق حيث يتواضع الكل ويسلّم له كما يؤكد علي الطنطاوي في مع الناس. وباختلاف الطرق والمذاهب والأفكار الفرعية تتشكل بيئة خصبة للابداع والعطاء والتفكير كما يورد أحمد الأميري في فن التفكير. فيوفر المجتمع للإنسان البيئة وحقوقه الشرعية ويساهم هو في البناء والعمل.

No comments:

Post a Comment